روبرتو دي زيربي، أحد عرابي اللعب التموضعي في الكالتشيو هذا الموسم، رفقة الحصان الأسود، ساسولو..
سمعت عن روبرتو لأول مرة في 2016، بعد عمله الكبير رفقة فريق إسمه فوجيا. وقتها خطف الأنظار سريعا، وأحضره المجنون زامباريني لفترة، قبل وصوله إلى ساسولو مؤخرا. رجل الـ 4-3-3 على الطريقة الهجومية، بعد تأثره بمدربه القديم باسكوالي مارينو، وذهابه إلى ميونخ لحضور فترة معايشة مع بيب، موسم 2013-2014.
مدرب صاحب فكرة، مع البناء من الخلف، بعودة لاعب الارتكاز بين قلبي الدفاع، الضغط القوي من دون الكرة، استعادة الهجمة سريعا بالضغط العكسي، وبكل تأكيد التحولات السريعة، مع الاستحواذ العالي، وفرض الشخصية الكبيرة، حتى أمام فرق البطولات. هكذا كان فريق فوجيا مع روبرتو دي زيربي، الرجل الذي دخل دائرة الضوء أخيرا مع ساسولو.
*
قصة دي زيربي غريبة بعض الشيء، كان قريبا من ساسولو قبل أكثر من عام، لكنه فضل الذهاب إلى لاس بالماس، بعد قرار كيكي سيتيين بالتحول إلى بيتيس، وفعلا كان الإعلان الرسمي مسألة وقت، حتى حدوث خلاقات بينه وبين بعض اللاعبين، مما جعل الإدارة تفكر ألف مرة، حتى ارتكبوا هفوة لا تغتفر، بعدم التعاقد معه، ليهبط الكناري في نهاية الموسم، بعد سلسلة من القرارات الكارثية، على مستوى المدربين وخلافه.
روبرتو حصل على فرصة مع بينديتو بعد نهاية قصته القصيرة التي لم تبدأ في إسبانيا، لكن الموسم لم يكن ناجحا على مستوى النتائج، لذلك يحسب لإدارة ساسولو الرهان على هذا الرجل، حيث أن الفريق لعب بطريقة الضغط القوي، والكرة الجريئة مع دي فرانشيسكو، لذلك اختاروا مدربا يليق بهم، ويستطيع تطوير الفريق بشكل أفضل، على المدى البعيد.
ساسولو هذا الموسم مقنع لأقصى درجة، لا يهاب أحد، يلعب كرة قدم شجاعة، ولديه مرونة تكتيكية مبهرة، لذلك من الصعب تحديد رسم خططي واحد للفريق تحت قيادة دي زيربي، لكن هناك أساس واضح لكل ما سبق، ألا وهو اللعب القائم على التمركز، الذي يعرف إعلاميا بالـ Positional Play.
أكثر من رسم، مع هوية ثابتة. الفلسفة هي الهجوم، الاستراتيجية تكمن في التمركز، بينما التكتيك يتغير من مباراة لأخرى، لأنه لا يأتي أبدا كرقم 1 بالنسبة للمدربين المهتمين بأدق التفاصيل، وهذا الإيطالي واحد منهم.
*
أمام إنتر مثلا، ذهب ساسولو إلى 4-3-3 صريحة، بتواجد لاعب ارتكاز أمام رباعي الدفاع، على مقربة منه ثنائي يمينا ويسارا، بالإضافة إلى ثلاثي هجومي متنوع بين العمق والأطراف، لمواجهة رسم 4-4-1-1 للخصم. حدث ذلك باختصار شديد، عند مراقبة الأظهرة، ومنعهم من التقدم بالكرة خلال نصف ملعبهم، بالإضافة لتحول أجنحة ساسولو، بالتحديد بيراردي ودي فرانشيسكو للداخل، للضغط على حامل الكرة، وترك مهمة التضييق على لاعب الارتكاز للمهاجم الصريح بواتينج، أو لاعب الوسط دونكان، كما فعل أمام بروزوفيتش، لذلك كان لعب الإنتر عبارة عن كرات طولية فقط.
الضغط القوي سيد الموقف من ساسولو. "صورة 1 بالتعليقات للتوضيح"
مع الكرة، الفريق يستخدم مزيج بين التمريرات العرضية والعمودية. بواتينج مهاجم وهمي، يعود كثيرا للمنتصف، يسحب معه دفاع المنافس، يستلم بظهره، ويجيد اللعب بلمسة واحدة، قبل أن يمرر للخلف تجاه لوكاتيلي، الذي يمرر بدوره طوليا تجاه اللاعب الثالث الحر، سينسي أو الجناح الذي يدخل في العمق، ليحصل الفريق على الزيادة العددية والنوعية خلف خطوط الضغط.
فيما يعرف بالـ 3rd man Run. "صورة 2 بالتعليقات للتوضيح"
نقل اللعب من جهة لأخرى في بعض الأحيان، من خلال الاعتماد على ثنائي محوري بالمنتصف، أو حتى ثلاثي صريح عند مشاركة لوكاتيلي، مع سحب الخصم إلى مكان ما بالطرف، بالتحديد تجاه اليسار، عند سيني لاعب الوسط المائل، رودريجو الظهير، ودي فرانشيسكو الجناح، ومن ثم لعب التمريرة الطولية من اليسار إلى اليمين، عن طريق لاعب الارتكاز لوكاتيلي الذي يمررها تجاه القادم من بعيد، ليورا أو بيراردي. "صورة 3 لتوضيح كثرة تمريرات لوكاتيلي الطولية"
أمام سبال من دون لوكاتيلي وبيراردي، إتجه دي زيربي لرسم 3-4-3، مع ثنائي محوري صريح لعدم وجود لاعب ارتكاز ريجستا، بالإضافة لدخول الجناحين إلى الداخل، لمساندة ثنائي المحور، وفتح اللعب كثيرا على الأطراف، بالتحديد جهة أدجيبونج، الظهير الجناح على اليمين، الذي استحق نجومية المباراة، بعد لعبه بمفرده على الخط الجانبي، نتيجة غياب أحد أهم نجوم الفريق بيراردي، والذي يبدأ دائما كجناح أيمن. "صورة 4 لتوضيح شكل وطريقة ونسبة الهجوم من الأطراف".
*
"كرة القدم الإيطالية هي كرة الخوف، نهاجم بلاعبين وندافع بعشرة، الشبّان يبقون على مقاعد البدلاء والناس لا تأتي إلى الملاعب". مقولة سابقة للعراب أريجو ساكي، للدلالة أن الحياة أصبحت أحلى من الجنة في إيطاليا، لكن تجربة مثل ساسولو مع دي زيربي قد تكون كافية، بتغيير النظرة السلبية الحالية للكرة الإيطالية، وتجعل صانع أمجاد ميلان فخورا بميلاد جيل جديد من المدربين الطليان، على خطى ساري وأقرانه.
- كل ما سبق مقتطفات من تقارير سابقة كتبتها عن دي زيربي، بتاريخ أكتوبر 2018.
في برشلونة سيكون خيار مثير لكونه يسير على مباديء وتقاليد النادي، حتى وإذا كان بعيدا عنه أميالا، لكن من وجهة نظري ومن باب "أهل مكة أدرى بشعابها"، هناك بابلو ماشين أو حتى كيكي سيتيين، خيارات أخرى تتفق مع دي زيربي في الفلسفة، وحتى تتشابه معه في بعض قواعد اللعب الموضعي، لكنها تتفوق من جانب معرفة خبايا الليجا، ودرايتها التامة بالكرة الإسبانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق