آخر المواضيع

الثلاثاء، 15 يناير 2019

مقالات : رسالة إلى بيب جوارديولا.. حتى لا يضحك عليك التاريخ مرة أخرى

بيب غوارديولا مانشستر سيتي

إذا كان التاريخ يتذكر أشياء وينسى أخرى، فمن الظلم أن ينسى ما قدمه جوارديولا بسبب أشياء صغيرة تفنن في أن يجعلها شاهدًا عليه

هناك سؤال يتكرر في كل مرة يلعب فيها مانشستر سيتي، في الحقيقة هو ليس سؤالًا بقدر ما هي ألفاظ تعجب، إشادات لا تنقطع، ذلك بالطبع منذ تولي بيب جوارديولا مهمة تدريب هذا الفريق، نظرًا للفارق الذي أحدثه الرجل هناك كما يفعل في كل مكان تطأه أقدامه، الرجل غير كثيرًا في كرة القدم، حتى كارهوه يعرفون ذلك جيدًا، بل أشك أنهم يلجأون إليه في كل مرة تكون المتعة فيها ضالتهم.

ما هذا كيف يلعب السيتي، أنظر إلى نسبة الاستحواذ، تخيل أن إيديرسون جلس يشم النسيم العليل طوال المباراة لأنه لم يختبر، هل تعلم أن مانشستر سيتي سدد 879 كرة على المرمى في 90 دقيقة فقط بالأمس، يا إلهي شاهد كيف يتفنن ستيرلينج ودي بروينة وساني في التلاعب بالمدافعين، 4 أهداف في شوط، أنظر حتى جون ستونز يسجل أهدافًا، وإلى آخره من مثل هذه الكلمات التي لا بد وأنك قرأت أغلبها من قبل، الأمر ممتع وشيق للغاية بالفعل، لا أحد ينكر أن البحث عن المثالية أمر يستحق الإشادة، ولكن أيضًا البحث عنها من منظور واحد مفهوم قاصر إلى حد ما، خاصة حين يلهيك عن جوانب أخرى أكثر أهمية.

عزيزي جوارديولا، هل ترى أن الفارق بين نتيجة 3/1 و 5/1 يستحق كل هذا الجهد المبذول؟ أعلم أن استعراض العضلات مهم لتكوين شخصية للفريق، ولكن ماذا لو كان استعراض العضلات هذا هو أكثر ما ينهكها؟ أتفهم جيدًا الفارق بين البحث عن الفوز والبحث عن الجمالية بجانبه، ولسنت هنا لأطلب منك لعب كرة قدم قبيحة، ذلك لأن كثيرون من يلعبوها، وقليلون هم من يصدرون لنا تلك المتعة التي تلهث وراءها أنت ونحن، ولكنني هنا فقط لأستفسر حول بعض المفاهيم، تلك التي تكررت أكثر من مرة في أذهاننا جميعًا، ولكن قليل فقط من قرر أن يبوح بها، وأردت أن أكون منهم لأنني لا أحب أن أراك في أماكن لا تستحقها.

الجمالية لا يمكن أن تغيب إذا قررت تهدئة الريتم بعد الدقيقة 60، فقط لتعطينا بعضًا منها في الدقائق التسعين المقررة بعد يومين، وليتبقى لك جزءًا آخر منها قبل التسعين الدقيقة التي ستلعب بعد هذه وتلك، صدقني أي 11 لاعبًا بقميص مانشستر سيتي قادرون على حسم مواجهة أمام فريق يسمى بورتون سيتي، وأقسم لك أنني لجأت إلى محركات البحث حتى أتأكد من صحة اسم الفريق، 8 أهداف مقابل لا شيء ولعب 90 دقيقة بنسق عالٍ وريتم لا ينخفض أمام فريق كهذا ما هي إلا حماقة، وسامحني على وصفها بذلك لأنني لم أجد وصفًا آخر، وذلك لأن أحد أصدقائي أخبرني يومًا أن فريقًا فاز بثلاثة أهداف نظيفة على فريق صغير، وصعد إلى الدور المقبل في الكأس ولم يشاهد أية كوابيس مسائية، ولم يخبره كرويف في منامه أنه كان عليه فعل شيء آخر غير الذي فعله.  

الأمر لم ينته بعد، هناك شيء آخر وددت الحديث معك حوله، وآسف على تلك الانتقادات ولكنني أحبك كثيرًا، وأخشى عليك من معادلة ما يتذكره التاريخ، خاصة بعد أن شاهدتك تسقط ضحيتها في مرات سابقة، سمعتك منذ حوالي أسبوعين تصف اللياقة البدنية بأنها مجرد هراء، وأن التكتيك والخطط هي كل شيء، سامحني يا بيب فما قلته هنا هو الهراء بعينه، أي لياقة بدنية تلك التي تراها بلا قيمة، وأي تكتيك هذا الذي يمكن أن تنفذه بلاعبين طفحوا الكيل طوال الموسم، أي كرة قدم تلك التي ستلعبها بهذا الكم من الكدمات والإصابات والأنفاس المتقطعة، أي كرة قدم هذه التي من الممكن أن تلعب بدون بدنيات، أي كرة قدم هذه التي تتحدث عنها يا بيب؟ أتذكر حديثك السابق بأن اللاعبين هم الأساس، وأن تلك الخطة والتكتيك ما أهي إلا أوراق تتبعثر بمجرد صافرة الحكم التي تعلن بداية المباراة، أحببت هذا الحديث كثيرًا كما أحببت كل أحاديثك المماثلة، ولكنني ظننت أنك ستستخلص منه درسًا يقول بأن جاهزية اللاعب ذهنيًا وبدنيًا هي الفيصل في كل شيء، وقبل أي شيء تتصوره أهم من ذلك.

بيب غوارديولا مانشستر سيتي

الخطة التي تتطلب التحرك في مساحات معينة، وأدوار مركبة بالكرة وبدونها تحتاج إلى الكثير من الركض،تحتاج إلى كثير من الجهد الذي اشتكى منه كثيرون تدربوا تحت إمرتك، كل هذا لا يمكن أن يتم بنفس الـ 16 لاعبًا على مدار حوالي 65 مباراة خلال 8 أشهر فقط، هذه معادلة وضعها جاهل وصدقها أحمق، وأنت لا يمكن أن تنتمي لهذا أو لذاك، ويصعب على الجميع رؤيتك توضع في هذه الخانة أو تلك، وأن يكون ذلك بسبب تصريح ما قررت أن تعاند به كل الثوابت الكروية، عفوًا بل كل الثوابت الكونية، فأي نشاط هذا الذي من الممكن أن نغض الطرف عن البدنيات قبل ممارسته؟

في رحلتك مع بايرن ميونيخ، وفي موسمك الأول مع مانشستر سيتي تهاطلت عليك الانتقادات، هل تتذكر أسباب ذلك؟ تعالَ نسترجعها سويًا، في بايرن ميونيخ سقطت أمام ريال مدريد برباعية ثم أمام برشلونة بثلاثية في دوري الأبطال موسمي 2014 و 2015، هذه الأزمة نتجت عن أشياء خططية أظن أنها قد تعالجت الآن، وشاهدنا كيف نجحت في تحقيق التوازن بين الهجوم والدفاع، دون أن تهتم بجانب على حساب الآخر، ودون أن تجرد الكرة من جماليتها أيضًا، وهي أصعب معادلات كرة القدم والتي لم ينجح فيها إلا نادرون على مدار التاريخ.

ولكن سامحني، الأزمة لم تكن فقط في الملعب المفتوح وعدم التأمين الدفاعي، ولم تكن كذلك في أن ميندي يجب أن يحل محل كليتشي، وأن بكاري سانيا هذا يجب التخلص منه وتعويضه بكايل ووكر، نعم كان هذا جزءًا محوريًا من الأزمة، ولكن في حال قررنا بأن هذا الجانب كان هو السلبي الوحيد في الفريق، فأنت هنا ستسقط ضحية مرة أخرى لما سيذكره التاريخ، لأن المبالغ الطائلة التي تم إنفاقها للتعاقد مع جميع اللاعبين الذين طلبتهم ودون أن يسألك أحد لماذا سلاح سيستخدم ضدك بكل تأكيد، وسيسأل الكل عن أسباب عدم التتويج بدوري الأبطال بعد كل هذه الأموال التي تم إنفاقها، وسيعتبر كل ما حققت هذا فشلًا لأنك لم تنجح فيما تم الاستعانة بك من أجله في الأساس، والتتويج ببطولة دوري واحدة تم تحقيقها من قبل مع مانشيني وبيليجريني وبلاعبين أقل جودة لن تكون إشارة لرحلة ناجحة بالطبع أيضًا.


بيب غوارديولا مانشستر سيتي


شخصيًا أعلم أنك لم تفشل، وأقدر صعوبة ما تم تحقيقه وإنجازه، ورأيت من التغيير في عقلية اللاعبين وقدراتهم ما يكفي لأرفع لك القبعة، من الممكن أن أعلم أنا ذلك، وأصدقائي الذين يشاهدون المباريات معي أيضًا، ولكن المشجع الذي يدفع حوالي 80 يورو في كل مباراة لا يدفعها ليشاهد التطور الذي حدث في عقلية ستيرلينج، هو رجل يريد أن يرفع فريقه لقبًا في النهاية، والإدارة التي صرفت نصف مليار باوند في 3 سنوات أيضًا لم تصرفها لتشاهد كيف تطور بيرناردو سليفا، وكيف أصبح يلعب في العمق وعلى الطرف بنفس الجودة،  للأسف يابيب هؤلاء هم من يقيمون الرحلة في النهاية، ليس أنا وأصدقائي ولا أي من رواد المقهى الذي أذهب إليه.

الجميع سيكون محقًا في النهاية لو تكرر السقوط هذا الموسم، ذلك لأن السبب فيه كان أنت، وهذا لا يعني بالمناسبة أنك فاشل، ولكن تحقيق هذا اللقب وذاك كان بين يديك وفقًا لكل المعطيات، وفي حال لم يتحقق لأن فريقًا دخل المباراة أكثر جاهزية منك، سيضطرنا ذلك لأن نعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى، ومن ثم نسأل عن الأسباب التي أدت إلى هذا الظهور الشاحب من قبل لاعبيك، حينها سنستعرض مرة أخرى مواجهة بورتون سيتي التي انتهت بالثمانية، وسأستعين مرة أخرى بمحركات البحث لأتأكد من اسم الفريق الذي سأكون قد نسيته بالطبع، سنضطر لذكر هذه المباريات التي تم فيها استنفاذ جهد أهم العناصر الأساسية لرفع النتيجة من 4/0 إلى 6/0، ومن أجل رفع نسبة الاستحواذ من 65% إلى 75%، وسنضطر أيضًا للسؤال بلماذا حول كل ذلك، وما الذي كان سيقدمه بورتون سيتي لو لعبت أمامه بالشباب أو بعدد منهم على الأقل، وماذا كان سيفعل ساوثهامبتون هذا وهو متأخر بالثلاثة حتى تبحث عن الرابع بهذا الكم من الجهد والشغف؟

في النهاية رسالتي تلك كانت من محب، وأتمنى أن تصلك دون أن تصور لك حدة الانتقادات غير ذلك، صدقني على مدار 10 سنوات منذ بداية مسيرتك لم أضحك عليك مرة واحدة عقب أي سقوط، ولكنني شاهدت التاريخ وما يذكره يفعلون ذلك في كل مرة، وللأسف لم أكن قادرًا على الدفاع عنك أو تقديم البراهين التي تنصف رحلتك، لأنك في كل مرة تكون أنت السبب في ذلك، وأنت من تعطيهم الفرصة للتصيد وتهويل الأمور ونسف كا ما قدمت، أرجوك أعد النظر في كل ما قيل حتى لا يضحك التاريخ عليك مرة أخرى، لأنه لا فارق بين الاستحواذ بنسبة 60 أو 70%، ولا فارق بين نتيجة الـ 4/0 والـ 7/0، ولكن صدقني الفارق كبير جدًا بين اللقب واللا لقب، كبير جدًا وطالما ضحك عليه التاريح من قبل، في قصص كنت أنت بطلها وأخرى لم تكن طرفًا فيها، وفي جميعها كان الضحية جانيًا ومجنيًا عليه في نفس الوقت، فاستحق الشفقة واستحق الانتقادات، وبين هذا وذاك لم يسلموا جميعًا من ضحكات التاريخ وسطحية مقدسيه.


بقلم | يوسف حمدي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أنقر لمتابعتنا