آخر المواضيع

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

"إدين دزيكو، قصة كفاح"..


"إدين دزيكو، قصة كفاح"..
كانت لعبة ميتة، هذا ما كنت أفكر فيه عند مشاهدتي للمباراة من مقاعد البدلاء، قبل البداية كنا نظن أننا أبطال، كنا نعلم أن كوينز يكافحون في مناطق الهبوط، على عكسهم كنا نشعر بالقوة، كل ما كان علينا فعله هو هزمهم للتتويج باللقب، لم يصدق أحد أننا قد نفقد اللقب لوهلة..
في هذه اللحظة انطلقت المباراة، كل شيء هادئ، الأمور تسير على ما يرام، الدقيقة تشير إلى 39' زاباليتا يفجر الملعب بهدف، لم تنته المباراة بعد، لكنني شعرت بالإسترخاء، نكاد ننتهي..
حدث ما لم يكن في الحسبان، بداية الشوط الثاني انقلبت الأمور رأسا على عقب، الكوينز يسجلون التعادل بعد ثلاثة دقائق، لم تقف الأمور عند هذا الحد، حصلنا على طرد بعد أربعة دقائق من الهدف، ثم بطريقة أخرى سجلوا هدف التقدم، كل شيء سار بطريقة جنونية، كل ما أتذكره هو غضب مانشيني على الخط، كان يصرخ على الجميع " تبا لكم"، لا أعلم لمن وجه كلامه، كل ما كتت أعلمه أنه يشتم، يشتم الجميع..
اعتقدت أننا انتهينا، كنا جميعا نفكر أننا فقدنا اللقب، بعد موسم رائع كنا سنفقد كل شيء، لعبة واحدة كانت كفيلة لإنهاء كل شيء..
عندما اقتربت المباراة من لفظ أنفاسها الأخيرة قرر مانشيني إدخالي، كان سوء الحظ ملازما لنا، فعلنا كل شيء لكن الكرة أبت الدخول، كرة القدم هي هكذا في بعض الأحيان..
الدقيقة التاسعة و الثمانون، الدقيقة التاسعة .. نحن ميتون، سنصل إلى الوقت بدل الضائع، إذا حصل لك شيء مشابه على لعبة الپلايستيشن فقد انتهيت، لا يمكنك العودة..
المضي قدما و المحاولة الآن عير ممكنين، في وقت الشعور باليأس أتت ركنية، داڤيد ينفذ، ارتقيت لضرب الكرة ثم هدف، يمكنك مشاهدة صراخي و عودتي بالكرة إلى المنتصف، كان ذلك في الدقيقة 91:20، لا يزال أمامنا وقت، دقيقتين أو ثلاث قد تقلبان الطاولة..
ربما لا أزال نائما في ذلك الحلم، أنت تعرف الباقي، لا أعرف كيف فعلنا ذلك، كان هناك شخص بالتأكيد أعطانا فرصة للحياة، يسألني الناس دائما عن هدف أجويرو و شعورهم داخل الملعب، و لأكون صادقا كان أقوى شعور، عندما دخلت الكرة شعرت بالراحة، عملنا طوال الموسم و أدينا جيدا، لكننا كدنا نفقد اللقب على بعد بضع ثوان..
يمكنك أن ترى أن اللقب الذي جاء للمدينة بعد 44 عاما كان مجنونا، تلك المباراة أظهرت جانبا مهما من الحياة، لا تستسلم أبدا، إذا استسلمت فأنت ميت، و نحن فعلا كنا ميتين..
ربما يمكنك أن تقول أنني أستمتع بسرد هذه القصة، جزء من السعادة التي أحصل عليها من ذلك هو تذكر أولئك الذين كانوا معي، أجويرو و سيلفا و يايا و كومباني، و بالطبع بالوتيلي الذي كان رجلا جيدا..
في بعض الأحيان كانت وسائل الإعلام تقتله من أجل لا شيء، لم أستطع فهم الأمر، كان كما لو أنه شخصية رئيسية في فيلم، كل شيء جيد أو سيء ينسب لماريو، و رغم ذلك كان رجلا مضحكا، بطلا..
كنت محظوظا لأنني كنت بجانب كولاروف و ساڤيتش، رجلان من البلقان مثلي أنا، هنالك فخر خاص ينتابنا عند الوصول للدوري الممتاز و التتويج أبطالا، تشعر بذلك عندما تأتي من المكان الذي أتينا منه..
عليك أن تتذكر أنني ولدت في سارييڤو في الثمانينات، خلال الحرب كان هنالك وقت اضطررت فيه للتوقف عن لعب كرة القدم في الشارع بسبب صفارات الإنذار التي تنذرنا بالخطر، كان علينا الإختباء، كطفل صغير أنت لا تشعر بالخطر..
في عمر ست سنوات كنت أعلم بما يحدث، لكنني لم أفكر كثيرا بالأمر، أبواي كانا يتحملان عبء التفكير، بدون والدي لن تكون الحياة ممكنة، بعد أربعة سنوات توقفت الحرب، تم تدمير كل شيء، لا وجود للمدينة..
أتذكر تماما أول رحلة لي رفقة والدي، كان يأخذني إلى تدريبات ﺯﻳﻠﺠﻴﺰﻧﻴﻜﺎﺭ كان علينا أن نستقل حافلتين و ترام، نستغرق أكثر من ساعة للوصول، كنا نتدرب في الثانوية لأن ملعب الفريق تم تدميره بالكامل..
على الرغم من أن والدي كان يعمل إلا أنه يصطحبني إلى التداريب كل يوم، عند انتهاء التداريب يناولني موزة، حتى في الأوقات السيئة كانوا يهدونني و أختي كل شيء، كل شخص لديه أحلام، لكن في ذلك الوقت عندما كانت تتم عملية إعادة بناء البلاد، كان من المستحيل التفكير في شيء غير ذلك..
أتذكر جيدا أنني كنت سعيدا للعب كرة القدم لأول مرة دون انتظار صفارات الخطر أو شيء من ذلك القبيل، لا شيء أكثر، كرة القدم فقط..
إذا كان لدي حلم، فهو اللعب لكبار ﺯﻳﻠﺠﻴﺰﻧﻴﻜﺎﺭ، كان ذلك سيشعر والدي بالفخر لأنه لم يحترف من قبل، كان يمارس كهاو فقط..
أتذكر عندما بلغت السابعة عشرة، خرجنا للتسوق في يوم عادي، لا أتذكر ما كنا نشتريه، فجأة أتت دعوة من أحد المدربين :" أنت ذاهب غدا في أول مباراة للموسم لفريق الكبار، استدار و أخبر والدي، الحيرة انتباته، كان يقول :" من؟ لماذا؟ متى؟ مع من؟ ماذا؟"، كانت تلك لحظة رائعة بالنسبة لي، كنت قادرا على تجربة ذلك معه، لقد كان معي منذ الخطوة الأولى، في كل خطوة من التدريب بعد الحرب كنا معا..
لم أكن أتوقع أن ألعب في ألمانيا و إنجلترا و لا سيما إيطاليا، بالنسبة لي كان دوري الدرجة الأولى المستوى الأخير بالنسبة لي، في التسعيينيات كان هنالك العديد من اللاعبين الرائعين في الدوري الإيطالي، كنت أحب شيفشينكو بشكل خاص عندما كنت صغيرا، ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪ ﻣﺪﺭﺑﻲ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻳﻨﺎﺩﻳﻨﻲ ﺑـ "ﺷﻴﻔﺘﺸﻴﻨﻜﻮ " ، ﻭﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻭﺟﻬﻲ، ﻟﻜﻨﻲ ﺃﺣﺒﺒﺘﻪ ، ﻛﺎﻥ ﺑﻄﻠﻲ..
لن أنسى أبدا عندما لعبت ضد شيفا رفقة فولفسبورغ عام 2008، كان على سبيل الإعارة إلى ميلان، لعبنا في سان سيرو و كان مذهلا، أمسكته في النفق و سألته إن كان ممكنا أن نتبادل القمصان بعد نهاية المباراة قال :" حسنا لا مشكلة"، أظن أنه عرف عن مدى الإحترام الذي أكنه له، لأنه عند منتصف الوقت جاء و أعطاني القميص، لم ينتظر إلى النهاية..
سأتذكر ذلك ما حييت، كانت لحظات مميزة بالنسبة لي، من الضحك أنني لعبت كرة القدم في العديد من البلدان، لكنني في روما و أشعر و كأنني في البيت، حسنا سراييڤو و البوسنة هي الرقم واحد، روما هي الثانية، بالنسبة لي الشعور هنا جيد، هنا حيث أعيش كرة القدم، حيث لا توجد مشاكل أخرى، و حيث تعيش عائلتي بسعادة..
أردت أن أذهب إلى SerieA لتعلم اللغة، لقد قمت ببناء شيء جيد هنا، دائما يسألني الناس عن الفرق بين إنجلترا و إيطاليا، إنجلترا هي السرعة، السرعة، السرعة، و إيطاليا هي تكتيكات، تكتيكات، تكتيكات، إنه أمر مدهش، لقد تعلمت الكثير خلال ثلاثة سنوات هنا، إنهم يفكرون بكل التفاصيل الصغيرة..
يمكنني أن أقول أن أكثر شيء يدهشني هنا هو اتصالي الدائم بصديقي فرانشيسكو توتي، أخبره دائما أنني أتمنى لو كنت هنا منذ زمن بعيد، كان ذلك سيساعدني على تسجيل مزيد من الأهداف، لعبي لبعض المواسم معه جعلني أتحسن، إنه يرى كل شيء في الملعب، لقد لعبت كرة دفعتني إلى الفضاء، لم أفكر بها من قبل..
أنا سعيد للغاية لقدومي إلى إيطالي، تعلمت الكثير عن كرة القدم هنا، كانت لدينا لحظة خاصة الموسم الماضي هنا عندما لعبنا في ربع نهائي الأبطال ضد برشلونة، واحدة من تلك المباريات التي تعيدها للأطفال و تقول:" انظر، شاهد، لا يمكنك أن تستسلم أبدا"، المرحلة الأولى خسرنا ب 4-1، عندما تخسر ضد برشلونة بتلك النتيجة فأنت ميت..
بعد ذلك في مباراة الإياب كنا محظوظين، سجلنا الهدف الأول مبكرا، ربما في الدقيقة السادسة أو السابعة، بدأ الحشد يمدنا بالطاقة، ثم حصلنا على ركلة جزاء مطلع الشوط الثاني، روسي يخطو و يضع الكرة على يمين الحارس، ربما لامسها شتيغن لكن روسي أرسلها قوية..
يمكنك الحصول على ذلك الشعور في دمك، تماما مثل 2012 كنا نجري كالحيوانات، نحن نصرخ هيا!هيا!هيا! ثم في النهاية في الدقيقة 82' سجل مانولاص الهدف الثالث، شيء لا يصدق..
شاهدت مباراة العودة في اليوم التالي، و بدا الأمر و كأننا سجلنا خمسة إلى ستة أهداف، من الغريب أن تقول أنه عندما تلعب ضد برشلونة أن الأمر لم يكن معجزة، لم تكن لديهم الكثير من الفرص، كنا مسيطرين، كنا مثاليين من الناحية التكتيكية، كنا ميتين ثم عدنا إلى الحياة، يمكن أن يحدث ذلك في مانشيستر و في روما، هذه هي الحياة، و هذه هي كرة القدم..
أنا الآن أبلغ 32 سنة من عمري و لست متأكدا مما سيحدث مستقبلا، أتمنى الذهاب مع البوسنة إلى بطولة دولية، كنت فخورا للغاية بإعادة بعض السعادة لبلدي بعد التأهل إلى كأس العالم 2014، تخيل البوسنة في كأس العالم، لعبنا أول مباراة على أرضية ماراكانا ضد الأرجنتين، كان حلما و أصبح حقيقة، كنت أتمنى لو أننا استطعنا منع ميسي من التسجيل..
بعد نهائيات كأس العالم، أعتقد أن هنالك الكثير من الأشياء التي تغيرت في البلد، عندما كنت صغيرا نشأت في البوسنة، كنا نمتلك لاعبين من بلدان مختلفة، الآن أعود إلى سراييڤو لأسمع الأطفال يتكلمون عن لاعبين بوسنيين مثل ميراليم بيانيتش، و هذا يجعلني سعيدا حقا..
بعد الحرب كنا جيلا من الأطفال ذوي الأحلام البسيطة، أردنا فقط أن نلعب كرة القدم بسلام، الآن لدي كرة القدم، وجدت أخيرا السلام، هذه هي حياتي، أريد اللعب و مشاهدة جميع الألعاب التي أنفذها، تصطادني زوجتي في غرفة المعيشة الخاصة بنا و هي تشاهد مباريات الدوري الإيطالي و الإنجليزي أو أي شيء آخر ثم تسأل :" هل هذا يكفي من كرة القدم"، يجب أن تعرف الجواب الآن، لا، بالطبع هذا لا يكفي أبدا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أنقر لمتابعتنا